Overblog
Editer la page Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
/ / /

إسماعيل منوجة

إلى المثقفين والنخب السياسية المغربية، يسلم عليكم المتنبي ويقول لكم:

دع المكارم لا ترحل لبغيتها       واقعد فأنت الطاعم الكاسي

شخصيا لا أرى لماذا اعتقد بعض المثقفين المغاربة وكذا بعض النخب السياسية أنهم ملزمون بالتعليق على الأحداث في كل من تونس ومصر ، ولا أدري لما توهموا ـ ربما من باب جنون العظمة ـ أن التاريخ يطرق بابهم ويحثهم على إبداء أرائهم حول الثورتين.

ويبدو أن صوت الثورة كان من القوة بحيث أيقض أشباه المثقفين هؤلاء من سباتهم الطويل، فقاموا من فراشهم الحريري يحاولون أن يلملموا أوراقهم ويشحذوا أقلامهم، مستنجدين بذاكرتهم الخرفة مستخرجين منها مصطلحات ومفاهيم باهتة باردة، بهدف تقزيم هزة الثورة التي لا يرون فيها لإلا أنها تهديد للثروة التي راكموها خلال نضالهم الطويل في حقوق الطبقة المستضعفة ، وإذا كان الأمر لم يصل بهؤلاء إلى إدانة الثورة بشكل واضح ومباشر فإنهم حاولوا بكل ما أسعفهم به ترهلهم الفكري والأيديولوجي،أن يراوغوا ويناوروا ويلتفوا بغية حجب توهج وبريق الثورة الذي يستهوي الجماهير.

التحاليل والتعاليق التي امتلأت بها الجرائد تعكس بامتياز حقيقة المشهد الثقافي والسياسي المغربي، وهي حقيقة تغرب النخب الثقافية والسياسية عن النسيج الاجتماعي والوجداني، وانفصالهم التام مع الواقع الحقيقي، وهو في الحقيقة ليسوا فقط خارج النص وعلى هامش صيرورة التاريخ، بل أبعد من ذلك بكثير. وأن كان علينا أن نستخدم مفردات الخيال العلمي لقلنا أنهم في عالم من العوالم الموازية.

وإذا كانت التحاليل السياسية الصادرة من بعض المنابر والأبواق المأجورة منتظرة ومتوقعة ، فإن أغلب ما كتب وقيل في هذا الصدد كان أقرب إلى جداريات "بويا عمر" أو مستشفى الرازي للأمراض العقلية.

وحتى أقرب لكم الصورة أكثر دعوني أسرد عليكم أمثلة من هؤلاء المثقفون العضويون بتعبير غراماتيكي الذين أتحفونا بتعاليم السياسة ، ولنبدأ بأكثرهم حكمة وهو السيد الأشعري الذي لم يرد أن يدلي بدلوه في ما يخص ثورة مصر وتونس، ونحن نقول له: والله حسنا فعلت، فهذا الدلو الذي طالما صال وجال وغرف من المستنقعات والبرك الآسنة والمياه العكرة، ما كان له إلا أن يلطخ ويلوث وجه الثورة النقي الساطع البياض.

أما سعد الدين العثماني منظر العدالة والتنمية وأحد أبرز قادتها فلم نجد له سوى مقالة بعنوان "الاضطراب الهوسي الاكتئابي"، وأنا لا أدري إذا ما كان هذا الاضطراب الهوسي الاكتئابي هو عنوان المقال أم أنها التأثيرات الجانبية بالمفهوم الطبي للمقال.

وبصراحة فبعض الكتابات والمقالات يجب أن يجبر القانون أصحابها أن يذيلوها بالكلمات التالية: هذا المقال ممنوع على كل مرضى القلب والضغط الدموي.

أما لو عاد أمر هؤلاء إلي لأجبرتهم حفاظا على الصحة العامة على تقديم مقالاتهم بما يلي: فهذا المقال له التأثيرات الجانبية التالية: الشقيقة، بوصفير، بوكبار، الاضطراب المعوي، الهلوسة والزهايمر.

ويبقى أغرب وأغبى ما قرأت في هذا الباب هو مقالة السيد العربي المساري، وأنا أنصح القراء أن يتناولوا حبتي أسبرين ويأخذوا نفسا عميقا قبل أن يطلعوا على ما تفتقت به عبقرية سعادته.

في رأي السيد المساري أن ما قام به الشعب المصري من مظاهرات واعتصامات في سبيل التغيير، كل ذلك قد قام به المغرب منذ ستينات القرن الماضي، كذا كذا، ويتابع سعادته أن مسألة التغيير منجزة ومكتملة الآن وبالتالي فإنها متجاوزة، ويضيف أننا بصدد مرحلة متقدمة جدا ألا وهي مرحلة التصحيح.

وعليه يسترسل السيد المساري أن الطريق الذي يسير عليه لا يحتاج بالتالي لمخارج استعجالية.

دعوني أيها القراء أدعوكم للصعود لأعلى التلة لنرى بوضوح هذا الطريق الذي لا يحتاج لمخارج استعجالية.

ـ مؤتمر التنمية البشرية يضع المغرب في ذيل القائمة جنبا إلى جنب مع دول لا يعرف أحد موضعها على الخريطة.

 ـ قضاء مشلول عاجز عن تحقيق العدالة.

ـ تفشي الرشوة التي تضيع على المغرب ملايير الدولارات سنويا.

ـ أزمة بطالة خانقة دفعت باتجاه هجرة الأدمغة واليد العاملة على حد سواء.

ـ أكثر من نصف الشعب يعيش تحت عتبة الفقر.

ـ حرمان الطبقات الفقيرة من التغطية الصحية.

بعد كل هذا ـ وهو غيض من فيض ـ لا نرى مناص إلا أن نتفق مع السيد المساري: فعلا المغرب لا يحتاج لمخارج استعجالية، ما يحتاجه الشعب المغربي هو مقابر جماعية استعجالية.

السيد المساري يتحدث عن تصحيح الطريق أصلا، فكيف نصحح ما هو غير موجود؟ ثم لماذا يتحدث المساري عن الطرق مع أنه كل ما يعرفه سعادته عن الطرق هي تلك الطرق التي تقوده من بيته نحو البنك لصرف راتبه كوزير سابق.

ومع ذلك لم يخلو مقال المساري من نفحة رومانسية، فهو يقول أن ثورة مصر ذكرته بثلاثية نجيب محفوظ لما تضمنته من جمالية.

وأنا أقول للسيد المساري أن مقالتك لم تذكرني بثلاثية نجيب محفوظ و لا برباعية الخيام، بل ذكرتني برائعة دوستويوفسكي "جريمة وعقاب".

أما بعد،أنا لا أقرأ إلا للذين يكتبون بدمائهم. هكذا تكلم نيتشه ذات مرة. ونحن نقول للسيد نيتشه : يا معلم نحن هنا في المغرب أقل تتطلبا وتشددا ، ونقبل أن نقرأ حتى للذين يكتبون بالطبشور أو حتى بـ "الفاخر" على الجدران. المهم وحتى لا يقتلونا خنقا أن لا يكتبوا ببرازهم.

 

Partager cette page
Repost0